الشفعة في الأسهم،
دراسة للمادتين 253 و257 من قانون شركات المساهمة،
بقلم محمد بلمعلم
يبدو أن المشرع المغربي لم يستطع الصمود أمام ضغوط وإكراهات المرحلة، وأنه في سبيل استجداء الرساميل الوطنية منها أو الأجنبية، أصبح يلبي جميع مطالب المتعاملين حتى ولو كان فيها مساس بالطبيعة القانونية لشركة المساهمة، حيث صار قانون شركة المساهمة محلا يجتمع فيه الشيء وضده، من جهة مبدأ حرية تداول الأسهم، ومن جهة أخرى جواز تقييد تفويتها بكل أنواع القيود الاتفاقية، وذلك بموجب مادتين:
الأولى هي المادة 253 من قانون شركات المساهمة، التي جاء فيها: "عدا في حالة الإرث أو التفويت إما للزوج أو للأقارب أو للأصهار إلى الدرجة الثانية بإدخال الغاية، يمكن التنصيص في النظام الأساسي على إخضاع تفويت الأسهم للغير بأية صفة من الصفات لموافقة الشركة".
والثانية هي المادة 257 من نفس القانون، حيث جاء في فقرتها الأولى: "يمكن أن تبرم اتفاقات بين المساهمين أو بين المساهمين والأغيار بشأن شروط تفويت حقوق الشركة، وأن تنص على الخصوص على عدم إجراء التفويت إلا بعد مدة معينة أو إجرائه تلقائيا إن اقتضى الحال بصورة تفضيلية لفائدة أشخاص يتمتعون بحق الشفعة سواء كانوا مساهمين أم لا".
والحقيقة أن هذا الأمر معناه أن كل حديث عن كون شركة المساهمة هي شركة مال، وأنها تختلف عن الشركات الأخرى التي تقوم على الاعتبارات الشخصية، أصبح حديثاً غير ذي موضوع، خصوصا عندما أجاز المشرع المغربي للمساهمين إبرام اتفاق يقضي على التداول بمنعه نهائيا، التداول الذي هو معيار تمييز الأسهم عن الأنصبة في شركة الأشخاص، والضابط الأساسي الذي يحدد طبيعة شركة المساهمة، فإن فقدت هذه الأسهم طابع التداول، فقدت الشركة صفة المساهمة".
من هنا كان إشكال هذا البحث هو إمكانية التوفيق بين كون الأصل في قانون شركات المساهمة هو حرية تداول الأسهم وعدم جواز تقييدها، وبين النصوص التي أجاز المشرع المغربي بمقتضاها للمساهمين تقييد تفويت الأسهم بما شاؤوا من القيود الاتفاقية، حيث اخترنا منها حق الموافقة المنصوص عليه في المادة 253، وحق الشفعة المنصوص عليه في المادة 257، ويتفرع عن هذا الإشكال عددا من المشاكل القانونية، حاولنا حصرها في عشر أسئلة، ستكون هي محور التقرير الأتي:
1. متى ينشأ للشركة الحق في الموافقة على المفوت إليه ؟ ومن تم ما هي الطبيعة القانونية لهذا الحق ؟ ألا يمكن أن يكون حق الموافقة هو نفسه حق الشفعة المتعارف عليه في القانون العقاري؟.
حق الموافقة هو حق كحق الشفعة المتعارف عليه في القانون العقاري الذي يعرفه الفقه بكونه «مركز قانوني يتولد للشريك، بقيام شريكه بتفويت حصته المشاعة للغير لقاء عوض، ويخول له حق استردادها من يد المتصرف إليه، إما اختيارا أو جبرا عليه، مقابل تأدية الثمن المدفوع أو قيمة الشقص»، ينشأ للمساهمين بعد بيع أحد المساهمين أسهمه للغير بموجب عقد تفويت صحيح ناجز، بات، وثابت، ناقل للملكية، استنادا لما جاء في المواد التالية 254، 255، 256 من قانون شركات المساهمة.
بناء على ذلك، الموافقة شرط لاستقرار العقد وليست شرطا لإبرامه أو لنفاذه، بمعنى آخر أن المشتري في حق الموافقة مالك على شرط فاسخ هو صدور قرار برفض منح الموافقة، وفي الوقت نفسه الشركة مالكة على شرط واقف هو إعلانها رفض منح الموافقة، بحيث إذا صدر هذا القرار وتحقق الشرط الفاسخ لملك المشتري والواقف لملك الشركة زالت ملكية المشتري واعتبرت كأن لم تكن، واعتبرت الشركة مالكا منذ إعلان رفض منح الموافقة، ودليلنا في ذلك هو الفقرة الثالثة من المادة 255 من قانون شركات المساهمة التي اعترف المشرع المغربي بموجبها للمشتري بأحقيته في امتلاك الزيادة الواقعة في قيمة الأسهم إلى يوم رفض منح الموافقة، وبعد هذا اليوم تكون تلك الزيادة ملكا للشركة.
ونرى من جهة أخرى بناء على ما ذكر، أن حق الموافقة يقترب من حق الشفعة المتعارف عليه في القانون العقاري، باعتبار أن المشتري في هذا الأخير هو أيضاً مالك على شرط فاسخ، والشفيع مالك على شرط واقف، وذلك إذا أخذنا بالنظرية التي تقول بثبوت الملك للشفيع من يوم طلب الأخذ بالشفعة لا من يوم الحكم له بها أو بأخذها من المشتري بالتراضي، كما هو مقرر في الفقه المالكي بخصوص شفعة العقار غير المسجل، واستبعدنا النظرية التي تعتبر الشفيع مالك من وقت تسليم المشتري له بالشفعة أو من وقت الحكم له بها، حيث تعتبر أن حكم الشفعة منشأ لحق الشفيع لا مقرر له.
خصوصا وأنه باستقراء المواد 253 و254 و255 التي نظمت تقييد تفويت أسهم شركات المساهمة بحق الموافقة، نجد أنها قد تضمنت كل المقتضيات المتعارف عليها في حق الشفعة المنصوص عليه في القانون العقاري، حيث يمكن أن نقول إن منح الموافقة يعني بعبارة أخرى، تنازل الشفيع عن حق الشفعة، ورفض الموافقة يعني بعبارة أخرى، إعلان الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة.
نعتقد بناء على كل ما سبق، أن تعريف حق الشفعة ينطبق على حق الموافقة، مع الأخذ بعين الاعتبار قول حق الموافقة بدل حق الشفعة، وقول الأسهم، بدل الحصة المشاعة في عقارات أو حقوق عقارية، وقول بأي صفة من صفات، بدل عبارة لقاء عوض في تعريف حق الشفعة، وقول ضمان حق العدول بدل الحلول في حق الشفعة، وذلك كما يلي: مركزا قانونياً يتولد للمساهم، بقيام شريكه بتفويت الأسهم للغير بأي صفة من صفات، ويخول له حق استردادها من يد المفوت إليه، إما اختيارا أو جبرا عليه، مقابل تأدية الثمن المدفوع أو قيمة الأسهم، ما لم يعدل المساهم المفوت عن البيع.
بل إذا علمنا أن مصطلح حق الموافقة لا يلائم مقتضيات تقييد تفويت الأسهم في شركات المساهمة، التي لا تتوقف المسطرة فيها على الموافقة أو رفض منح الموافقة، بل يستتبع ذلك الحق في العمل على شراء الأسهم، وأن هناك من الفقه من يرى ثبوت الشفعة في المنقول، كما أن الموافقة ترد على المنقول، وأنه في الشفعة في التشريع الفرنسي هناك ضمان لحق العدول للمفوت، كما يكون له محل في حق الموافقة، فإنه لا يكون أمامنا إلا القول بأنه حق شفعة بعينه، لا يميزه عن هذا الأخير سوى أن حق الموافقة هو الأشد تقييدا، حيث يخول للمستفيد منه الحق في العمل على شراء الأسهم حتى في حالات التفويت التي لا يخول فيها حق الشفعة في القانون العقاري للشفيع ذلك.
2. لمن ينشأ قانونا حق الموافقة ؟ هل يجوز أن ينشأ حق الموافقة للمساهم الذي فوت أسهمه للغير بدل شريكه الذي يريد أن يدفع عن نفسه ضرر دخول الأغراب إلى الشركة ؟.
أجاز المشرع المغربي بموجب الفقرة الأولى من المادة 253 من قانون شركات المساهمة المغربي، استثناءا من مبدأ حرية تداول أسهم شركة المساهمة، "التنصيص في النظام الأساسي على إخضاع تفويت الأسهم للغير بأية صفة من الصفات لموافقة الشركة".
ولكن في الواقع هناك ممارسات يحرم المساهم بمقتضاها من تقييد تفويت الأسهم إلى الغير بحق الموافقة رغم الاعتراف التشريعي بجواز تقييده، ذلك أن المفوت يعمد إلى ممارسة حق الموافقة، بدلا عن المساهمين معه الذين نشأ لهم الحق في الموافقة بتفويت المفوت المذكور أسهمه إلى الغير، وصورة ذلك هي الحالة التي يفوت فيها المساهمون المشكلون لمجلس الإدارة أو مجلس الإدارة الجماعية (الأغلبية) الأسهم إلى الغير، ويكون منصوصا في النظام الأساسي على أن المجلس المذكور هو نفسه المختص بالنظر في طلب الموافقة على المفوت إليه المقترح. حيث ترى محكمة النقض الفرنسية مشروعية ذلك.
ومن الحجج التي يمكن الدفع بها نذكر هنا:
- إن اختصاص مجلس الإدارة بالنظر في طلب الموافقة في الحالة التي يفوت فيها أعضاء المجلس المذكور أنفسهم الأسهم إلى الغير يعني أن حق الموافقة ينشأ للمفوت بقيامه شخصيا بتفويت أسهمه للغير، حيث يجمع بين صفتين ممتنعتين عقلا وشرعا تفويت الأسهم إلى الغير والنظر في طلب الموافقة عليه، في حين أنه وكما هو معلوم، فإن النظر في طلب الموافقة على المفوت إليه المقترح من قبل المفوت هو مركز قانوني يتولد لشريك المفوت بتفويت هذا الأخير أسهمه للغير وليس للمفوت نفسه، لذلك هناك من الفقه من ذهب إلى أبعد من ذلك، ورفض مجرد مشاركة المفوت في الجمعية المنعقدة للنظر في طلب الموافقة على المفوت إليه المقترح من قبله.
- لا يتصور أن يرفض المفوت (أعضاء مجلس الإدارة) الموافقة على الشخص الذي قبل شراء الأسهم منه ولو كان في ذلك ضرر على مصلحة المساهمين والشركة، بل حتى وإن رغب المفوت (أعضاء مجلس الإدارة) في رفض المفوت له المقترح من قبله، فإن القانون لا يبيح له ذلك، لأنه يتنافى مع الالتزام المترتب عليه بموجب عقد التفويت.
كما يمكن مناقشة مشروعية هذه الواقعة من ناحية أخرى بالقول: أن عملية تفويت أغلبية أسهم الشركة% 51 ليست عملية تفويت بسيط للأسهم، بل عملية نوعية تماثل عملية تفويت مقاولة، إنها عملية تفويت "مراقبة وإدارة وتسيير شركة وفرض الآراء والأفكار عليها"، كما ذكرت أستاذتي الدكتورة عائشة الشرقاوي المالقي في رسالتها القيمة حول الوضعية القانونية لشركات الاستثمار منذ سنة 1983، ونوعية هذه العملية تابث تشريعا وقضاءً، وذلك من خلال ما أفرد لها من أحكام خاصة تختلف عن تلك التي يتم التصريح بها عندما تكون العملية مجرد تفويت بسيط للأسهم.
بل من شأنها أن تحدث تغييرات هامة في مقتضيات النظام الأساسي للشركة، ( حل أو اندماج أو تغيير الغرض الاجتماعي أو تحويل المقر الاجتماعي أو تغيير اسم الشركة أو زيادة في رأسمال الشركة...) بما يستوجب ليس اختصاص مجرد مجلس الإدارة المشكل من قبل الأغلبية المفوتة، وإنما انعقاد جمعية عامة غير عادية تضم جميع المساهمين للنظر في هذا الحدث الهام.
3. ما المقصود بكلمة "الغير" الواردة في المادة 253 من قانون شركات المساهمة؟ بمعنى آخر هل يشمل في مدلوله المساهم أم يقتصر المعنى فقط على الغير الأجنبي ؟
اتفق الفقه والقضاء في فرنسا على أنه إذا كان يجوز في شركة المساهمة تقييد تفويت الأسهم إلى الغير بحق الموافقة، فإنه بالنسبة لتفويتها إلى المساهم لا يجوز تقييدها بالحق المذكور، وأساس ذلك أن مصطلح " الغير " الوارد في المادة 274 فرنسي يقصد به الشخص الأجنبي عن الشركة فقط، ولا يشمل في مدلوله حتى المساهم. بدليل:
أن الفرق بين "الغير" و "المساهم" يستفاد صراحة من إذا لم توافق الشركة على المفوت إليه المقترح، تعين على مجلس الإدارة أو مجلس الإدارة الجماعية داخل أجل ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ تبليغ الرفض، العمل على أن يتم شراء الأسهم إما من طرف أحد المساهمين أو أحد الأغيار".
الأشغال البرلمانية التي رافقت خروج المادة 274 من قانون 1966 الفرنسي، حيث أن البرلمان الفرنسي بغرفتيه اعتبر أن عبارة " إخضاع التفويت إلى الغير" تفيد استثناء التفويت إلى المساهم،
وفي هذا السياق نعتقد أن نية المشرع المغربي في إطار المادة 253 من قانون شركات المساهمة، لا تتجه إلا لجواز تقييد التفويت المجرى لفائدة الغير الأجنبي عن الشركة، أما التفويت إلى المساهم فيظل حرا على الأصل الذي كان عليه، حيث يمكننا الاستدلال على ذلك:
بما جاء في المادة 58 من قانون الشركة من وجوب خضوع تفويت أنصبة الشركة للأغيار لموافقة الشركاء، ثم عاد المشرع المغربي في المادة 60 من نفس القانون لينظم جواز تقييد الأنصبة بين المساهمين بشكل خاص. فلو كانت تشمل هذا الأخير لما احتاج المشرع إلى إضافة مادة ثانية خاصة بجواز تقييد تفويت الأنصبة إلى المساهم بحق الموافقة.
كما حرص المشرع المغربي أن يميز التفويت إلى المساهم بمعاملة خاصة، بحيث: 1- أنه إذا كان يُخضع تفويت أنصبة الشركة ذات المسؤولية المحدودة للغير للموافقة على سبيل الوجوب، فإنه قد جعل تفويت الأنصبة بين الشركاء حراًَ ولا يقيد إلا على سبيل الجواز، 2- ونفس هذا الحرص نجده أيضا عندما عالج مقتضيات تقييد تفويت الأنصبة برضى الشركاء في إطار شركة التوصية البسيطة، فبعد أن أكد في المادة 27 من نفس القانون على أنه لا يمكن تفويت أنصبة الشركة إلا برضى جميع الشركاء، جاء في الفقرة الثانية من المادة المذكورة ليحاول التخفيف من هذا التقييد بالنسبة للشركاء الموصين في شركة التوصية البسيطة، حيث نص على أنه "يمكن أن يشترط في النظام الأساسي حرية انتقال أنصبة الشركاء الموصين فيما بين الشركاء".
فمن كان هذا حاله بخصوص تقييد التفويت إلى الشريك في أنواع الشركات الأخرى غير شركة المساهمة، ماذا سيكون قصده ونيته وهو ينظم جواز تقييد حرية تفويت الأسهم في هذه الأخيرة التي من مبادئها الأساسية وخصائصها المميزة تداول الأسهم بكل حرية ؟!،
4. إذا كان لا يجوز تقييد تفويت الأسهم إلى المساهم بحق الموافقة، فهل يجوز تقييدها بحق التحاصص ؟.
إذا تَم تفويت الأسهم إلى المساهم في إطار مقتضيات الفقرة الرابعة من المادة 254 من قانون شركات المساهمة التي تنص على وجوب العمل على شراء الأسهم من المساهم الراغب في الخروج من الشركة بعد رفض الموافقة على المفوت إليه المقترح من جانبه، هل يجوز للمساهمين تقييد تفويت الأسهم إلى المساهم بحق التحاصص، أم يمكن التصريح بصحة العمل على شراء الأسهم الذي يمارسه بعض المساهمين بالنسبة لجميع الأسهم.
إذا كان لا يجوز تقييد تفويت الأسهم إلى المساهم بحق الموافقة، فإنه يجوز تقييدها بحق التحاصص، ذلك أن الحق الناشئ للشركة في العمل على شراء الأسهم بعد عدم الموافقة على المفوت إليه المقترح يمارس بصفة مشتركة، حيث يكون الحل في حالة مطالبة مساهمي الشركة الاشتراك مع العامل على شراء الأسهم في الاسترداد هو قسمة الأسهم بينهم بنسبة كل منهم رأس المال، ومن تم لا يبطل تقييد تفويت الأسهم لأحد المساهمين بحق التحاصص إلا في حالتين استثنائيتين هما: الأولى: تمتع العامل على شراء الأسهم بحق الأولوية: وذلك عندما تكون الأسهم في شركة المساهمة ملك لشيوع ناتج عن إرث، أو ملكا لشيوع ناتج عن عقد، لأنه من القواعد المقررة في الفقه المالكي أن الشريك الأخص يقدم على الشريك الأعم، وأن في الشيوع الذي يكون ناتجا عن إرث أو عقد يتم دائما تقديم المشارك في السهم للأخذ بالعمل على شراء الأسهم بالأولوية على غيره من الشركاء الذين ليسوا مشاركين في السهم مع الشريك الذي فوت نصيبه للغير، لقول الشيخ خليل "وقدم مشاركه في السهم".
الثانية: عدم مطالبة المساهمين الآخرين بحصتهم في الأسهم المعمول على شرائها: حيث أنه إذا كان في الشركة العديد من المساهمين، ولكن لم يطلب العمل على شراء الأسهم منهم إلا بعضهم، وجب أن تكون الأسهم المرفوض تفويتها للغير كلها من حق الطالبين، ويكفي فقط إحجام المساهمين عن إبداء رغبتهم في شراء الأسهم مع طالب العمل على شراء الأسهم ليُستنتج من ذلك تنازلهم عن الحق، وكذلك إذا طلبوا العمل على شراء الأسهم، ولكن سقط حق بعضهم لتقديمه بعد الميعاد القانوني، فلا يوجد ما يمنع من أن تكون الأسهم المرفوض تفويتها للغير كلها من حق الباقين.
5. هل يجوز أن يكون أساس مشروعية تقييد حرية تفويت الأسهم بحق الشفعة الاجتهاد بدل النص؟.
كما سبقت الإشارة يجيز تقييد تفويت أسهم شركات المساهمة بحق الشفعة (التفضيل) نؤكد أن التشريع المغربي مقرر بموجب نص صريح هو نص الفقرة الأولى من المادة 257 من قانون شركات المساهمة.
في حين أن أساس مشروعية اتفاق تقييد تفويت الأسهم حق الشفعة في فرنسا هو الاجتهاد، وليس النص، ذلك أنه لا يوجد في تشريع الشركات الفرنسي، نص مثل نص الفقرة الأولى من المادة 257 من قانون شركات المساهمة المغربي، يقضي بجواز إبرام اتفاق الشفعة، ومع ذلك فإن ما لاحظناه هو وجود شبه إجماع قضائي بين محاكم الموضوع الفرنسية بمختلف درجاتها، على الحكم بمشروعية حق الشفعة.
وهنا لابد من التأكيد على أن الأصل في التقييد الحرمة، وما كان هذا هو أصله فلا يستباح بالشك أو الاجتهاد، وما جعله المشرع ممنوعا لا يستطيع القضاء أن يبيحه اجتهادا، وإلا فإنه يكون قد نصب نفسه مشرعا ومن تم لابد في مشروعية القيود النص.
6. هل فعلا حق شفعة هو التكييف القانوني المناسب لحق الشفعة المنصوص عليه في المادة 257 من قانون شركات المساهمة أم أنه ذو طبيعة قانونية أخرى ؟.
أن اتفاق إجراء التفويت تلقائيا، إن اقتضى الحال، بصورة تفضيلية لفائدة أشخاص يتمتعون بحق الشفعة، المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 257 من قانون شركات المساهمة المغربي، ليس حق شفعة بالمعنى المتعارف عليه في القانون العقاري بأنه الحق الذي ينشأ للشريك بعد بيع شريكه أسهمه للغير بيعا تاما ناجزا، ولا وعدا بالبيع كما ذهب إلى ذلك أحد الباحثين المغاربة، بل إنه حق تفضيل الذي ينشأ فيه للمستفيد الحق في العمل على شراء الأسهم قبل بيع المدين للأسهم موضوع الحق إلى الغير بيعا تاما ناجزا، ولقد استخلصنا ذلك من خصائص الاتفاق المنصوص عليها بشكل صريح في الفقرة الأولى من المادة 257 المذكورة، وكذا من الدلالة الاشتقاقية لمصطلح «droit de préemption» الوارد في النص الفرنسي، الذي يعني اشتقاقا كما ذكر الأستاذ الفرنسي Brunot: حق التفضيل، أما عن مصطلح "حق الشفعة" المذكور في النص العربي للمادة 257 من قانون شركات المساهمة، مجرد التباس في الترجمة وقع فيه المشرع المغربي بسبب أنه شاع في القانون العقاري المغربي بشكل معيب، أن مصطلح «Droit de préemption» يعني حق الشفعة، بدليل عبارة بصورة تفضيلية التي جاءت في المادة المذكورة قبل المصطلح المذكور.
7. متى ينشأ للمستفيد من حق الشفعة المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 257 من ق ش م الحق في العمل على شراء الأسهم من المشفوع منه ؟ هل ينشأ له الحق في الشفعة قبل البيع أم بعده؟.
ذهب اتجاه فقهي وقضائي فرنسي بأن الحق في العمل على شراء الأسهم موضوع الاتفاق ينشأ للمتمتع بحق الشفعة (التفضيل) بعد بيعها من قبل المدين بالالتزام إلى الغير بموجب عقد تام ناجز، وبرر رأيه هذا بأن القول بخلاف ذلك لا يرضي ممارسي قانون الأعمال، وأنه من غير المنطقي أن يتم الاعتراف بمشروعية اتفاقات الشفعة، وفي الأخير يتم رفض منح القوة الإلزامية للعقد.
ونعتقد بأنه وباعتبار الاتفاق حق تفضيل وليس حق شفعة أو وعد بالبيع، بأن زمان نشوء الحق للمستفيد لا يكون إلا بعد تحقق شرطين: الأول وجود إيجاب من الغير موجه للبائع، والثاني رغبة هذا الأخير في البيع، وبناء على ذلك إذا تمت ممارسة حق التفضيل دون تحقق الشرطين المذكورين، فإن هذا يكون طردا للمساهم من الشركة، ولم تخرج الفقرة الأولى من المادة 257 المذكورة عن هذا المقتضى، ذلك أنه ظاهر من صياغتها والعبارات التي جاءت بها، أن الملتزم في هذا اتفاق يعلق التزامه بالبيع للمستفيد على شرط، حيث ذكرت المادة عبارة "إن اقتضى الحال"، فهذه العبارة تدل على شرط رغبة المالك في البيع، أما شرط وجود عرض من الغير إلى المساهم بالشراء، فتدل عليه العبارة التي جاء فيها "مقابل السعر الذي يعرضه عن حسن نية أحد الأغيار". وبناء عليه، بعد أن يصير العرض عقد بيع تام وناجز، لا ينشأ للمتمتع بحق الشفعة (التفضيل) الحق في العمل على شراء الأسهم موضوع الاتفاق، بل الذي ينشأ للمستفيد هو الحق في الحصول على تعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء عدم تنفيذ الالتزام، أو استثناءا الحق في إبطال العقد إذا ثبت للمحكمة وجود تحالف تدليسي بين البائع والمشتري لخرق الاتفاق. لأن اتفاق التفضيل يخول المستفيد منه حقا شخصيا وليس حقا عينيا، لأن اتفاق التفضيل التزام بعمل وليس التزاما بعطاء.
8. ماذا عن الضوابط الشكلية والإجرائية لممارسة حق الشفعة المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 275 المذكورة؟.
لقد اعترف المشرع المغربي بمشروعية تقييد أسهم شركة المساهمة بحق الشفعة، دون أن يكلف نفسه عناء تحديد الضوابط والشروط الإجرائية لممارسته، باستثناء الطريقة التي يتحدد بها السعر الذي تشفع به الأسهم، فهي الضابط الوحيد الذي ذكر أنه يكون مقابل السعر الذي يعرضه عن حسن نية أحد الأغيار، الأمر الذي دعانا إلى محاولة تجاوز هذا الوضع بالتذكير ببعض المبادئ العامة في ممارسة الشفعة والتي لا تجوز إلا بها، فخلصنا إلى الآتي:
فيما يخص نسبة الأصوات المشترطة للأخذ بالشفعة: إن الطبيعة القانونية لحق الشفعة (التفضيل) لا تقتضي سوى نسبة 1 % من الأصوات لنسف مشروع تفويت الأسهم إلى الغير، إلا أنه إذا تم الاتفاق على نسبة أعلى من تلك التي تقتضيها الطبيعة القانونية لحق الشفعة ( التفضيل) فإنه يتوجب على الشفيع احترام هذه النسبة، بحيث إذا لم يتمكن من الحصول على العدد المطلوب من الأصوات سقط حقه به.
فيما يخص الأجل المحدد لممارسة حق الشفعة: يجب على الشفيع أن يعلن عن رغبته في استشفاع الأسهم المراد بيعها للغير داخل أجل معقول، يلائم كون هذا الحق حق ينشأ قبل أن يبرم المدين بالالتزام عقداً تاماً وناجزاً مع الراغب في شراء الأسهم موضوع حق الشفعة (التفضيل).
فيما يتعلق بمبدأ عدم جواز تبعيض الصفقة: فمن المحظور تشطير الشفعة فيما يراد بيعه من الأسهم صفقة واحدة، بل يتوجب على الشفيع أن يطلب كل الأسهم المراد بيعها للغير، وإلا سقط الحق في حق الشفعة (التفضيل).
فيما يخص ضمان حق التحاصص بين الأشخاص المتمتعين بحق الشفعة: يجب أن يمارس حق الشفعة بصفة مشتركة، وأن شفعة أحدهم جميع الأسهم المراد بيعها للغير، لا تجوز إلا في حالة تنازل المستفيدين الآخرين عن حقهم في ممارستها.
9. هل الحالات التي منع المشرع المغربي تقييدها بحق الموافقة تسري على حق الشفعة المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 257 قياساَ، أم أنه يقتصر فقط على حق الموافقة لعدم تساوي الواقعتين في علة الحكم؟
أحاط المشرع سواء في المغرب أو في فرنسا حق الموافقة - استثناءا من مبدأ جواز تقييد تفويت الأسهم إلى الغير- بجملة من القيود، فنص أنه لا موافقة في ست حالات:
1- في حالة الإرث، 2- فيما بِيع بين الأزواج، 3- فيما بِيع بين الأقارب إلى الدرجة الثانية، 4- فيما بِيع بين الأصهار إلى الدرجة الثانية، 5- في حالة العروض العمومية بالبورصة، 6- في حالة تفويت الأسهم إلى المساهم.
وقد ذهب اتجاه فقهي فرنسي قياسا على حق الموافقة إلى أن الحالات التي لا يجوز تقييدها بحق الموافقة، باطل تقييدها بحق الشفعة (التفضيل)، حيث أن هذا الأخير حق استثنائي، فيه تقييد لحرية التعاقد ولحق الملكية، إذ بمقتضاه يجبر الراغب في الشراء على التخلي عن الأسهم التي يريد شراءها، ويجد المساهم نفسه قد باع لشخص غير الذي أراد البيع له، وبالتالي يجب عدم التوسع في تفسير نصوص حق الشفعة، بل يجب إحاطته قياسا بنفس القيود الموضوعية التي أحاط بها المشرع حق الموافقة،
إلا أن اتجاهاً فقهيا قضائيا فرنسياً آخر مخالف، ذهب على العكس من ذلك إلى القول بأن لا وجه للقياس بينهما، وبالتالي الحكم المذكور في حق الموافقة لا مجال لتطبيقه على حق الشفعة، ولقد اختلفوا في الوصف الذي يعتبر علة لحكم الأصل (حق الموافقة)، حيث يترتب على عدم وجوده في الشفعة، القول بجواز تقييد تفويت الأسهم بحق الشفعة في الحالات الست المذكورة:
فهناك من ذهب إلى أن العلة هي كون الشركة تختص بمنح الموافقة، وهناك من اعتبر وصف حماية حق الموافقة للشركة من دخول الأغراب هو العلة، في حين ذهب فريق ثالث من هذا الاتجاه إلى أن الوصف الذي بسببه نص المشرع على الحكم في الأصل، هو كون حق الموافقة مدرج في صلب النظام الأساسي، حيث أن هذا السبب متخلف في حق الشفعة لذلك يتخلف الحكم فيه تبعا لذلك، وذهب فريق رابع صائبا إلى أن السبب الذي من أجله نص المشرع على الحكم المذكور في حق الموافقة، هو لأن هذا الأخير يقيد تفويت الأسهم.
ولقد اختبارنا كل وصف ذكر أنه موجود في حق الموافقة ومنعدم في حق الشفعة، وبينا أنها -وباستثناء وصف كون حق الموافقة يقيد تفويت الأسهم الذي تحققت فيه الشروط الواجب توافرها في العلة- لا تصلح أن تكون علة للحكم المنصوص عليه في حق الموافقة، حتى يترتب على انعدامه في الفرع (حق الشفعة) انعدام الحكم.
وبينا أن علة تقييد تفويت الأسهم التي ثبتت بالمسلك الذي اتبعناه، متحققة في حق الشفعة (الفرع)، ومن تم فالقاعدة هي عدم مشروعية تقييد تفويت الأسهم بحق الشفعة في الحالات التي منع المشرع تقييدها بحق الموافقة لأن الحكم يوجد حيث توجد علته، ومن تم لا مجال للاحتجاج بالحرية التعاقدية. إلا إذا كان هناك ما يبرر جواز تقييدها استثناءا من القاعدة الثابتة قياسا، فإنه في هذه الحالة يجوز تعليل اعتبارها بالمصلحة أو الحرية التعاقدية.
10.في حالة تعارض مصلحة المساهمين مع المصلحة التي ترجو القاعدة الثابتة نصا أو قياسا حمايتها أيهما نقدم ؟ هل نقدم مصلحة المساهمين أم المصلحة الثابتة نصا أو قياسا، أم نقدم المصلحة الراجحة منهما؟.
هذا الإشكال يطرح مثلا في الحالة التي يراد تقييد تفويت أسهم شركات المساهمة إلى المساهم بحق الشفعة دفعا لضرر اختلال التوازن بين المساهمين، وهي مفسدة أرجح من مفسدة تقييد تفويت الأسهم، حيث يتوجب في هذه الجزئية تقديم مصلحة المساهمين على القاعدة الثابتة قياسا، وذلك استنادا إلى ما يلي: لأنه في النهاية المعارضة في الواقع معارضة بين مصلحتين: مصلحة احترام الملكية، ومصلحة الحفاظ على مبدأ المساواة بين المساهمين، وكلاهما معتبر تشريعيا، حيث أن مصلحة الحفاظ على مبدأ المساواة بين المساهمين وردت بخصوصها أيضاً مقتضيات تشريعية، دلت بشكل قطعي على أن مبدأ المساواة مقصد من مقاصد مشرع قانون شركات المساهمة تماما مثل مبدأ حرية تداول الأسهم.
وقد عرف من عادة مشرع قانون شركات المساهمة، أنه يقصد إلى الأرجح من المصلحتين عند التعارض، حيث أجاز تقييد تفويت الأسهم إلى الغير بحق الموافقة استثناءا من مبدأ حرية تداول أسهم شركة المساهمة، اعتبارا منه لمصلحة المساهمين في حماية الشركة من دخول الأغراب.
كما أننا لم نراع هذه المصلحة على أنها "أصل عام يلغي القاعدة الثابتة قياسا ويحل محلها، بل روعيت في بعض الجزئيات استثناء من القاعدة الثابتة قياسا، حيث تبقى هذه الأخيرة قائمة في ما عدا هذا الاستثناء، فإن القواعد الثابتة بالنص أو القياس هي المعالم الواضحة إلى مقاصد المشرع، فإذا تبين في بعض الجزئيات أن العمل بالنص أو القياس لا يحقق المصلحة المقصودة ـ بل يترجح إفضاؤه إلى مفسدة ـ وجب استثناء هذه الجزئيات في أضيق الحدود تحقيقا للمصلحة المشروعة، ويبقى النص أو القياس قائما فيما عداها.
وفي الختام أود أن أشير إلى أن موضوع الشفعة في أسهم شركات المساهمة إنما هو جزئية في إشكال أكبر يمكن أن يكون محوراً لموضوع أطروحة، وهو إلى أي حد يمكن الاعتداد بالمصلحة في قانون شركات المساهمة ؟.
لقد اختلف الفقه والقضاء في اعتبار المصلحة في قانون شركات المساهمة:
( أ ) فذهب اتجاه إلى أن التعليل بالمصلحة في قانون شركات المساهمة لا يعتد به، حيث يجب الاقتصار في شركات المساهمة على ما ورد به النص، ولا يصح العمل فيها بالمصلحة، وأن المشرع لم يكل شيئا من قانون شركات المساهمة إلى آراء المساهمين، فلم يبق إلا الوقوف عند ما حدَّ بلا زيادة أو نقصان.
( ب ) وذهب البعض الآخر إلى أن المصلحة حجة في قانون شركات المساهمة ينبني عليها تشريع الأحكام، وأن الواقعة التي لا حكم فيها بنص أو قياس، يشرع فيها بالحكم الذي تقتضيه المصلحة.
نؤيد من جهتنا بناء الأحكام في شركة المساهمة على المصلحة، إلا أن ما نريد التأكيد عليه في ختام هذا البحث، هو أن الاحتجاج بالمبدأ المذكور يجب الحرص على أن يكون في الأفعال التي لم يرد دليل بنص أو قياس على إلغائها، لأنه لاحظنا أنه يروج في المسألة التباس بسيط، هو الادعاء بأنه لا يوجد دليل يمنع التعاقد على المصلحة المرجوة، في حين أنه عند البحث والتمحيص نجد أن هناك دليل ثابت بالنص أو القياس يلغي هذه المصلحة ويبطلها، والنتيجة أن الاحتجاج بالمصلحة يتم في الأفعال التي دل دليل على إلغائها.
محمد بلمعلم
باحث في القانون الخاص، جامعة باريس 1،
-----------------------
انظر أيضا:
التوثيق المقترح:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق