تعليق على قرار محكمة النقض الفرنسية، الغرفة المدنية 1، بتاريخ 11 ابريل 2018، عدد 17-17530،
رفضت محكمة النقض الفرنسية ابطال عقد زواج أحد الفرنسيين بزوجته الثانية، إلى حين نظر القضاء في طلب بطلان عقد زواجه بزوجته الأولى، حيث نقضت المحكمة قرار محكمة الاستئناف القاضي بإبطال زواجه الثاني، بعلة أن زوجته الأولى ما تزال على ذمته، حيث لم يصدر قرار نهائي يفسخ عقد الزواج الاول.
واعتبرت المحكمة العليا أن زواجه بالمرأة الثانية صحيح، ويجب ان يتم النظر أولا في بطلان عقد زوجته الأولى، بحيث يتم إيقاف ابطال الزواج الثاني الى حين صدور حكم بخصوص عقد زواجه بالزوجة الأولى.
يًذكر هذا القرار بقرار آخر قريب منه صدر عن نفس الغرفة بتاريخ 4 نونبر 2011 ، حيث طلب أحدهم الزواج عن طريق شركة وساطة أسرية، علما أنه كان متزوجا بزوجة أولى في مسطرة طلاق، طالبت شركة السمسرة الأسرية بمصاريف واتعاب الزواج الثاني، ومن بعد طالبت ايضا بتعويض عن بطلان عقد السمسرة لمساسه بالنظام العام، حيث انه متزوج وطلب من الشركة التوسط والبحث له عن زوجة ثانية، حيث اثناء اجراءات التسجيل في النت اعلن انه مطلق، والحال انه مازال لم يصدر حكم بالطلاق، نقضت الغرفة المدنية الأولى لمحكمة النقض الفرنسية قرار محكمة الاستئناف، واعتبرت ان عقد السمسرة الأسرية لزوج في مسطرة طلاق صحيح وليس باطل، وليس فيه اي مخالفة للنظام العام والآداب الحميدة.
ومعلوم أن الزوجين في مرحلة الطلاق، يعتبران قانونا مازالا في رابطة الزوجية، وينتج عقد الزواج آثاره فيما بينهما خلال فترة اجراءات الطلاق، من حق كل منهما أن يرث أحدهما الآخر، اذا توفى أحدهما في هاته المرحلة، وكذا اثبات النسب والبنوة للأبناء المزدادين خلال هاته المرحلة، أو في العدة، كما يمكن ان يٌراجع الزوج زوجته بدون عقد ومهر جديدين، وفي ظل تشريع يمنع تعدد الزوجات، فإن القيام بأجراءات الزواج بامرأة ثانية قبل ان يصدر حكم نهائي يقضي ببطلان او فسخ عقد الزواج الأول، يعتبر مخالفة للنصوص المانعة أو المقيدة لتعدد الزوجات، ومع ذلك فإن محكمة النقض الفرنسية في هذا القرار ادخلت مرونة على المقتضيات القانونية التي تمنع ابرام عقد زواج ثاني، من رجل متزوج، مما يمكن معه القول، جدلا، أن هذا القرار يكاد يوحي ببعض الإرهاصات الأولى لقبول المحكمة العليا لمسألة تعدد الزوجات بالنسبة للجاليات المسلمة التي يسمح لها دينها بالتعدد، في ظل القضاء والقانون الفرنسيين الذان صارا يسمحان بتعدد الشركاء الجنسيين، خارج مؤسسة الزواج، حيث نذكر في هذا الإطار القرار التاريخي "Galopin" الذي أجازت بموجبه محكمة النقض الفرنسية بغرفها جميعها، بتاريخ 29 اكتوبر 2004، الوصية التي أوصى بها الزوج لشريكته خارج مؤسسة الزواج، علما أن تلك الوصية كانت مقابل لعلاقاته غير الشرعية معها، وكذا في اطار الطامة الكبرى المعروفة بقانون الزواج للجميع، الذي يغير تعريف الزواج من كونه ميثاق ترابط شرعي بين رجل وامرأة الى شيء آخر.
يجب أن يكون هذا القرار وغيره مناسبة للمطالبة بقانون احوال شخصية موازي لقانون الأحوال الشخصية المستمد من القانون المدني الفرنسي، قانون خاص بالفرنسيين المسلمين ورعايا الدولة الفرنسية المسلمة، يسمح لهم بالتعدد وفق ضوابط وشروط الشريعة الإسلامية، والتي دونتها على سبيل المثال مدونة الأسرة المغربية في شكل نصوص واضحة وصريحة.
أيهما أكرم وأشرف للمرأة، أيهما أقل ضررا، بفقه الموازنة والترجيح بين المفاسد والمصالح، ان تكون مصانة في إطار عقد زواج، ام في ظل تشريع يسمح للزوج بالتعدد فقط في إطار علاقة خارج مؤسسة الزواج، ولا يسمح له بأن يضمن حقوق شريكته في إطار عقد زواج؟
أي مصلحة أولى بالاعتبار، مصلحة الذين ينادون بالزواج للجميع من أجل تغيير فطرة الرحمان، التي فطر الناس عليها وسائر المخلوقات الأخرى، ام مصلحة من يريدون أن يعددوا مع ضمان حق الزوجة الثانية في إطار عقد يضمن لها كل الحقوق،
لا يضمن عقد الخذانة concubinage المعترف به هنا في فرنسا أو pacs (عقد التضامن المدني) للمرأة سائر الحقوق التي يضمن لها عقد الزواج، وعلى رأسها التوارث بين الزوجين، والحق في اقتسام الاموال المكتسبة خلال فترة الزوجية، وحقوق اخرى يمكن ان نحصرها في دراسة مستقلة ان شاء الله، خلاصتها أن التشريع والقضاء الفرنسيين لا يشجعان على هذا النوع من العلاقات بضمان كل الحقوق للمراة بالمقارنة مع الزوجة المحمية في إطار عقد زواج...
محمد بلمعلم
التوثيق المقترح:
--------
لتحميل كل المقالات المنشورة في هذا الموقع بخصوص قضاء محكمة النقض الفرنسية في قانون الأسرة، انظر الكتاب الآتي:
بصدد
الطبعة 2: نونبر 2022 منشورات مجلة قم نفر، باريس تأليف: محمد بلمعلم |
|
----
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق